الثلاثاء، 27 مارس 2012

جماهير المصرى بقلم د. عمرو الشوبكى


مهما كانت الملاحظات على توقيت صدور قرار الاتحاد المصرى لكرة القدم بإيقاف النادى المصرى عامين ومنع اللعب فى استاد بورسعيد لمدة ٣ أعوام، إلا أن القرار جاء مطابقاً للعقوبات المنصوص عليها فى لوائح الفيفا فى حدها الأدنى فى مواجهة حالات الشغب واقتحام الملاعب التى لا تسقط فيها أرواح.
ولذا بدا صادماً هذا الحجم من مظاهرات الغضب التى خرجت فى مدينة بورسعيد الباسلة ضد قرار الاتحاد، فلا يمكن تحت أى ظرف تبرير هذا الدفاع الأعمى عن أى متهم بقتل ٧٥ شاباً مصرياً فى استاد بورسعيد بدم بارد.


اعتبر البعض أن هؤلاء المتهمين من أهل البلد ومن نفس «القبيلة» البورسعيدية، فوجب الدفاع عنهم ولو بالباطل، متناسين الحديث الشريف الذى يقول: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً...»، ونصرة الظالم كانت بمعنى ردعه حتى يعود عن ظلمه، لأن من المفروض أن كل بورسعيدى سيكون أول من يفرح لتقديم القتلة للعدالة لأنهم مجموعة من المجرمين تصادف أنهم كانوا من سكان بورسعيد ولا يمثلون شعبها.


والحقيقة أن هذه القبلية المتصاعدة فى مصر منذ عهد «مبارك»، صارت تهدد ليس فقط دولة القانون إنما الدولة بمعناها الحديث، فوجدنا فى كل مهنة وكل منطقة وكل مؤسسة من يدافع بمنطق قبلى ضد أى نقد يوجه من خارجها بالحق أو الباطل، وهى أمور قام بها القضاة و«الداخلية» ومجلس الشعب دون أى قدرة على النقد الذاتى والاعتراف بالخطأ الذى لا يدين الجميع ولا يهين المؤسسة أو المدينة أو النادى الذى ينتمى إليه الشخص أو الأشخاص المخطئون إنما هو طريق للتصحيح والتقدم تتبعه كل الدول الديمقراطية.


والواقع أن التعامل مع موضوع المتهمين بقتل مشجعى الأهلى على أنهم أبناء مدينة بورسعيد، الذين يجب الدفاع عنهم لهذا السبب، واعتبار أن النادى المصرى من المقدسات التى يجب عدم المساس بها حتى لو أخطأ، يعكس نفس المنطق الكارثى الذى تعامل به البعض الآخر حين أدانوا مدينة بورسعيد كلها كأنها مسؤولة عن هذه الجريمة.


المؤكد أن أهل بورسعيد شعروا بألم كبير عقب هذه الجريمة، وملأوا المدينة برايات الحداد السوداء، واستقبلوا كل القادمين من القاهرة بترحاب وحزن كبيرين، ولا يرغبون إلا أن يثبتوا كما قالوا أن «بورسعيد ضحية وبريئة».


غير مقبول أن يطالب بعض أهالى بورسعيد، وفق نظرية «القبيلة دائما على حق»، بألا ينقل المتهمون خارج بورسعيد ومحاكمتهم على أرضها وكأنها جمهورية أخرى، ورفض أى عقوبة توقع على النادى المصري، وهو أمر صادم ولا أساس له فى أى عرف أو قانون، لأنه لو تطلب تحقيق العدالة نقلهم للمحاكمة فى القاهرة، فيجب تنفيذ الأمر فورا، ويجب ألا يُقبل مطلب البعض بمحاكمتهم فى بورسعيد لممارسة ضغوط شعبية على المحكمة لتخفف من حكمها عليهم، فهذه كلها مفاهيم كارثية تعيدنا إلى ما قبل الدولة الحديثة، فهناك مجرمون وبلطجية متهمون بقتل مواطنين أبرياء وإدانتهم تعنى براءة المدينة أما الضغط من أجل تبرئتهم بالباطل فهذا أكبر إدانة وإساءة لمدينة عظيمة لا يستغنى عنها أى مصرى.. اسمها «بورسعيد».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق